أيام الرعب (+18) | خالد المصري

على موقع ساسة بوسط كتب

خالد المصري

عن أيام الرعب يقول

لم تكن أيام الاعتصام في ميدان التحرير مجرد أيام ومرت، لكنها أيام عظيمة في تاريخ مصر أثرت وغيرت في مجرى الأحداث ليس في مصر فقط بل في المنطقة بأسرها.
هذه الأيام التي زلزلت كيان النظام وهددت عروشه التي لم يمسسها أحد طوال عقود طويلة، ثمانية عشر يومًا وأكثر كانت ولاتزال كابوسًا مرعبًا لهم وأقوى تهديد شعبي حقيقي تعرض له النظام، هذه الأيام التي غيّرت من خريطة الحُكم والهيمنة السياسية والاقتصادية في مصر.
كانت هناك حالة من الوحدة والحس الوطني العالي تسيطر على الجميع وتسمو بهم فوق أي تحيز أعمى لأي انتماء آخر إلا لمصر.

شباب لا يخافون القمع

في يوم الاحتفال بعيد الشرطة قرروا أن يذكروهم بممارساتهم القمعية ضد المواطنين وللمرة الثالثة على التوالي دعا الشباب للتجمع وإحياء الاحتفال بالاعتراض على التعذيب والتنكيل الذي يطال المصريين تحت اسم “يوم الغصب” ضد القمع الأمني، لم يخافوا برغم التضييق الأمني وحشود قوات الأمن المهولة التي كانت في انتظارهم وقامت بالاعتداء عليهم وتفريق تجمعاتهم بالقوة إلا أنهم تمكنوا من الدخول لميدان التحرير وزاد تجمعهم حتى تم فض الميدان بالقوة المفرطة.



غضب الشعب أقوى من السلاح

عاودوا التظاهر غير عابئين بردود الفعل العنيفة على تظاهراتهم وانتشرت المظاهرات المناهضة للنظام في معظم محافظات مصر وانضم لهم عشرات الآلاف في اليومين التاليين وصولاً لجمعة الغضب التي اتخذت منحى آخر أثبت أن القوة مهما بلغت عددًا وعتادًا لا تستطيع الصمود أمام مئات الآلاف من الصدور العارية المتجمعة على فكرة وهدف واحد. برغم سقوط المئات من المتظاهرين بين شهيد وجريح واعتقال الآلاف وقطع الاتصالات إلا أنهم كانوا مُصرين على دخول ميادين التحرير بالقاهرة والإسكندرية والسويس والمنصورة والإسماعيلية ودمياط والفيوم والمنيا ودمنهور والشرقية والمحلة وبورسعيد والعريش.
انسحبت قوات الأمن من أمام الطوفان البشري الذي سيطر على الشوارع والميادين معلنًا انتهاء القمع الأمني بهزيمة ساحقة أرعبت النظام وأربكته وأفقدته هيبته الأمنية التي كانت تحميه لسنوات طويلة.


التوحد المرعب


“بأمد إيدي لك طب ليه ماتقبلنيش لا يهمني اسمك لا يهمني عنوانك لا يهمني لونك ولا بلادك مكانك، يهمني الإنسان ولو مالوش عنوان، يا ناس يا ناس هي دي الحدوتة، حدوتة مصرية”. هكذا غنى المصريون سويًا في الميدان على مختلف انتماءاتهم العقائدية والسياسية والطبقيّة في مشهد لم ولن يغيب عن ذاكرتنا جميعا. هكذا وقع الرعب في قلب النظام وانهارت إستراتيجيته الدائمة “فرق تسُد” التي نجحت لسنوات طويلة في تفريق وتقسيم المصريين، انهارت في دقائق غنّى فيها الجميع من أجل الإنسان من أجل مصر في مشهد ذابت فيه الفوارق وانهارت الحواجز التي صنعها النظام.

واختفى شبح الفتنة الطائفية التي روجوا لها كثيرًا فكان الشيخ بجوار القسيس والمئات من المسلمين يصلّون في الميدان في حماية المسيحيين، والمستشفى الميداني في الجامع وفي الكنيسة يداوي الجرحى والمصابين من المسلمين والمسيحيين على السواء.



الشعب يحمي نفسه



زادت الأيام النظام رعبًا عندما فشلت خطة نشر الفوضى والفراغ الأمني وفتح السجون في أن تردع المتظاهرين بل إن معظم المصريين شاركوا في اللجان الشعبية التي كانت تحمي الأحياء والمناطق من السجناء الطلقاء وعمليات الترويع المنظمة والانفلات الأمني، واكتشفوا أنهم قادرون على حماية أنفسهم. وباءت موقعة الجمل بنصر كبير للمعتصمين، عندما حاول عدد كبير من البلطجية الهجوم على الميدان لإخلائه فتصدى لهم المعتصمون بكل قوة وتوحد وتنظيم ودحروهم خاليي الوفاض.



إنها لمحات مضيئة من أيام الرعب الثمانية عشر التي هزت أركان النظام وأجبرته على الاستجابة لمطالبها وفرضت رغبة الشعب على السلطة وأثبتت أن الشعب الشجاع المتوحد هو المصدر الحقيقي للسلطات ويستطيع أن يغيرها مهما زاد قمعها واستبدادها. أيام الرعب التي غيرت كثيرًا في إستراتيجيات النظام وجعلته يعمل بكل قوة وإصرار على ألا تعود هذه الأيام مرة أخرى بأي شكل من الأشكال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

فك باص اوبو A53 ببوكس ايزي جتاج

ذلك العاشق الذي لم ييأس!! قراءة في "ديوان أميرة الوجد" لفراس حج محمّد إبراهيم جوهر*/ القدس الشريف